قناة روسية تسلط الضوء على فن الزخرفة وفرادتها التاريخية بـ "الغرفة المغربية" في أشهر قصر بمدينة سان بيطرسبورغ يعود للعهد الامبراطوري
يُجمع الكثير من خبراء الفن المعماري، على أن العمارة المغربية التي نجحت في التنسيق بين التأثيرات الأمازيغية والعربية والأندلسية والإسلامية منذ عدة قرون، هي واحدة من أفضل الأمثلة التي تعكس قمة الإبداع الإنساني في تحويل الزخارف إلى مشاهد تسر الناظرين وتبقى شاهدة على استثناء معماري تؤكده "المآثر" التاريخية يوما بعد آخر.
وواحد من هذه الأمثلة الشاهدة على الإبداع المعماري المغربي الذي وصل صيته إلى مناطق بعيدة جدا، هو ما نشرته قناة "روسيا اليوم" يوم الجمعة الأخير عبر برنامج الوثائق "Inland Vision" الذي يقدمه الإعلامي بيتر سكوت، الذي سلط فيه الضوء على واحد من أبرز القصور الروسية التي تعود إلى العهد الإمبراطوري، ألا وهو قصر "Yusupov" الذي يوجد في مدينة سانت بيطرسبورغ.
ويُعد هذا القصر اليوم، والذي كان شاهدا على أحداث مفصلية في تاريخ روسيا، من بين أبرز المزارات السياحية في مدينة سانت بيطرسبورغ، حيث يحج إليه العديد من السياح من مختلف مناطق العالم للاطلاع على فخامته، خاصة إحدى صالاته المميزة، والتي يُطلق عليها اسم "الغرفة المغربية".

هذه الغرفة أو بالأحرى الصالة، وفق ما جاء في الوثائقي الذي أذاعته قناة "روسيا اليوم"، هي صالة الاستقبال الفاخرة والأهم في قصر "يوسوبوف"، وقد تم إحداثها في القرن التاسع عشر على الطراز المغربي، تماشيا مع "موضة" ذلك العصر، حيث كان أصحاب القصور والمباني الفخمة في روسيا القيصرية، يلجأون إلى بناء غرف وصالات بالغة الفخامة كمظهر من مظاهر الرفاهية والبذخ.
غير أن أسرة "يوسوبوف" التي بنت القصر، فإن هذه "الصالة المغربية"، حسب الوثائقي، لا تمثل لها فقط الفخامة والجمال، بل ارتأت من خلالها أن تعكس "سلالتها النبيلة"، وهو ما يشير إلى التقدير الكبير الذي كانت تُكنه هذه الأسرة الأميرية للمعمار المغربي وما يرمز له من عراقة ضاربة في التاريخ.
خصائص الصالة المغربية وبراعة الصانع المغربي
تُعد الصالة المغربية في قصر "يوسوبوف" بسانت بطرسبورغ الروسية واحدة من أرقى تجليات الفن المغربي في أوروبا، حيث تعكس التقاليد المعمارية المغربية الأصيلة وروح العمارة الإسلامية، وتُعد نموذجا للصالونات الفاخرة التي كانت تُستخدم لاستقبال الضيوف وإقامة اللقاءات الرسمية، مع الحفاظ على الطابع الخاص والفخم الذي يميز القصور الأرستقراطية في روسيا قبل الثورة البلشفية.
ويعتمد المعمار الداخلي للصالة على مكونات تقليدية مغربية تشمل الأقواس المزخرفة، والأسقف الخشبية المنقوشة، والجدران المبنية بعناية مع مساحات مفتوحة تتيح توزيع الضوء والتهوية الطبيعية، كما تم إدخال عناصر مميزة مثل الفناء الصغير أو نافورة مركزية، ما يضفي على المكان شعورا بالانسجام والسكينة.

وتبرز الزخارف والمواد المستعملة في الغرفة براعة الصنّاع المغاربة، من الزليج الفسيفسائي الملون على الجدران والأرضيات، إلى الجبص المنقوش بالنقوش الهندسية والنباتية، بالإضافة إلى الأخشاب المنحوتة في الأبواب والأسقف، والكتابات الإسلامية بالخط العربي، مع تصميم تناظري ودقة في التفاصيل، ما يجعل الغرفة تحفة فنية تمزج بين الجمال والوظيفة، وتتيح للزائر تجربة فريدة من الفخامة المغربية في قلب قصر روسي تاريخي.
قصر يوسوبوف.. مسرح لحدث غير مجرى تاريخ روسيا
يُعد قصر "يوسوبوف" في سانت بطرسبورغ واحدا من أبرز القصور التاريخية في روسيا، ليس فقط لفخامته المعمارية، بل لأنه كان مسرحا لأحد أكثر الأحداث الغامضة والمفصلية في تاريخ الإمبراطورية الروسية، وهو اغتيال الراهب غريغوري راسبوتين سنة 1916.
هذا الحادث التاريخي الذي وقع داخل أروقة القصر الصاخبة بالفخامة والأسرار، أصبح علامة فارقة في مسار انهيار سلطة الأسرة القيصرية، وفق ما يؤكده العديد من المؤرخين للفترات التي سبقت حدوث الثورة البلشفية في روسيا.
وكان الأمير فيليكس يوسوبوف، أحد أغنى وأرفع النبلاء الروس، الشخصية الرئيسية وراء اغتيال راسبوتين، حيث نظم العملية بمساعدة مجموعة من النبلاء والأصدقاء المقربين، وقد ارتبط القصر بالحدث بشكل مباشر، إذ تم التخطيط والتنفيذ داخل غرفه الفاخرة، ما يجعل القصر اليوم شاهدا على واحدة من أكثر المؤامرات السياسية شهرة في روسيا القيصرية.

ويتفق الكثير من المؤرخين الروس أن هذا الحادث ترك أثرا بالغا على روسيا، حيث أدى إلى إضعاف سلطة القيصر نيكولاي الثاني ورفع مستوى التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد، كما أصبح راسبوتين شخصية أسطورية في الذاكرة الشعبية بعد ذلك، تجمع بين الغموض والديناميات السياسية المعقدة، في حين ارتبط اسم قصر "يوسوبوف" بالأحداث الدرامية التي مهّدت الطريق لاحقا لثورة 1917.
اليوم، يُفتح قصر "يوسوبوف" كمتحف للزوار، ليتيح لهم استكشاف الغرف الفاخرة، بما فيها المسرح الداخلي والصالة المغربية المزخرفة، ويعيشوا تجربة مباشرة لأحد أبرز الأحداث التاريخية الروسية، ليجمع القصر بذلك مشاهدا من الترف الأرستقراطي من جهة، والحياة السياسية المضطربة التي غيرت مصير روسيا من جهة أخرى.




